سلسلة المعصية وشؤمها 9- (“حجم رؤية الذنب “):

السبت _4 _فبراير _2017AH admin

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وبعد:-

إن الواعظ الداخلي في الإنسان من أهم المواعظ التي تجعله يستلهم الدروس والعبر، فإذا أذنب المسلم ذنبًا، فما رؤيته لهذا الذنب؟

وفي هذا أيها الإخوة يتباين الناس تباينًا عظيمًا؛ ولهذا قيل: "ربما حسنة أدخلت النار، وربما سيئة أدخلت الجنة".

يقول ابن مسعود –رضي الله عنه-: «إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ بِهِ هَكَذَا"([1]).

 ما أروع هذا التشبيه من أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- الذي يحكي حال المؤمن مع ذنبه، وخوفه وشفقته من أثره عليه، وإن هذا الشعور إذا ساور الإنسان فهو علامة إيمان وخوف؛ إذ أنه ليس من شرط الإيمان العصمة من الذنب، بل الشرط عدم الإصرار على الذنب.

وقد ذكر الله تعالى المتقين بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] فقد كان السلف كثيري التفكر في هذا المعنى؛ لعلمهم بأن الإنسان إذا تساهل بالصغيرة، فلا يبعد أن يتساهل بما هو أعظم منها، ويُشبه قول ابن مسعود هذا قول أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ»([2]).

 فتأمل –حفظك الله- في كلام أنس، من المخاطب؟ إنهم التابعون، وتأمل من المتحدث؟ هم الصحابة، فكيف بمن كان في هذه القرون المتأخرة، مما يجعل الإنسان يأخذ أهبته واستعداده حتى يكون على بينة من أمره، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَاعَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأعْمَالِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا"([3]).

نسأل الله –عز وجل- العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آلة، وأصحابه أجمعين.

فضيلة الشيخ:

خالد الجريش

 



([1]) البخاري(6308).

([2]) البخاري(6492).

([3]) أخرجه أحمد 6/70 ،  و"ابن ماجه" (4243) وصححه ابن حبان (5568) وقواه محققوا المسند.

 

شاركنا بتعليق


سبعة عشر + ستة عشر =




بدون تعليقات حتى الآن.