الرد على شبهة: لقد أورث الله الأرض لبني إسرائيل، فلماذا نعصيه؟

الأحد _31 _مايو _2015AH admin
الرد على شبهة: لقد أورث الله الأرض لبني إسرائيل، فلماذا نعصيه؟

الرد على شبهة

لقد أورث الله الأرض لبني إسرائيل، فلماذا نعصيه؟

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه:

في استدلال عجيب، وفقهٍ غريب، يستفهم أخ فاضل، عن شبهة شغب بها أحدهم عليه، فزعم أن الله أورث الأرض لليهود، ونحن نعصيه ونخالف أمره بمنابذتهم، وعدم التسليم لهم بها، والدليل على صحة هذا الزعم:

قوله تعالى: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137].

 

وقوله: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 21].

 

وقوله سبحانه: ﴿ وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ﴾ [الإسراء: 104].

 

وبعد، فأقول: أخي الكريم، زعمُ أن الله أعطى اليهود هذه البلاد للأبد، وأمْكَنَهم منها مهما كانوا، ومهما فعلوا، ومهما اعتقَدوا، فأمر غريب ناتئ عن لغة العرب، وقواعد الدين وأصوله، ويأنف عنه العقل ومنطقه، والأغرب مِن ذا، أن يكون الاستدلال على ذلك من القرآن الكريم!

 

فهذا الاستدلال هو من جنس استدلال إبليس – لعنه الله – بقدر الله سبحانه على معصية الله؛ إذ ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، فخَلقُه من نار وخَلقُ آدم من طين، هو أمر الله وقدره، والاستدلال به على الخيرية من جهل إبليس وضلاله!

 

و﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16]؛ فنسَب غَوايته لله، رغم أن الغواية اختياره وهواه، ورتَّب عليها حربًا على أولياء الله سبحانه.

 

وكذلك الأمر في هذه الشبهة العرجاء؛ إذ يحتجُّون على محاربة الله ورسوله وأوليائه، وغَصْبِ البلاد، وتحكيمها بشرع الطاغوت المعادي لشرع الله، بكتاب الله الكاشف لنفوسهم، وبقدَرِ الله سبحانه، وَهمًا منهم وغيًّا وضلالاً.

 

فإن إدخال بني إسرائيل هذه البلاد في عهد موسى، حيث كانوا مؤمنين "ظاهرًا" هو أمر الله وقدره وقضاؤه، وليس لأحد أن يعترض عليه، ولكن أن يزعم أن هذه الأرض منذ ذلك العهد إلى قيام الساعة مكتوبة لهم، سواء آمَنوا أم كفروا، فباطلٌ لا دليل عليه، بل الدليل قائم، والبرهان قاطع، على نقيضه وبطلانه؛ فإن الله سبحانه قال فيهم: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴾ [الإسراء: 4، 5]، فهذا دليل أنهم لما أفسدوا وعلَوْا في الأرض بعث الله سبحانه عليهم من يُذيقهم البأس الشديد في هذه الديار، ولم يكن هذا الخبر مناقضًا لخبر كَتْبِها لهم يوم كانوا مؤمنين، وكانت الشريعة الواجب اتباعها هي شريعة موسى عليه السلام.

 

ثم قال سبحانه: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ [الإسراء: 6، 7]؛ فبيَّن أنها سنة ربانية لا تحابي أحدًا، وبين أن سيختارون الإساءة على الإحسان، وسيُلاقون لذلك الإساءة والنَّكال، فقال سبحانه: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 7]؛ لذلك وجب أن تعلم بما لا يحتمل الشك: أن الأرض لله سبحانه من قبلُ ومن بعدُ، يُورِثُها من يشاء، ويمنعها من يشاء، بيده الأمر كله سبحانه، وهو الذي ارتضى شريعة موسى عليه السلام في زمانه، وكان تعريف المسلم حينها هو من اتبع دين اليهود في ذلك الزمان والتزَمَه، فحق لهم يومها الأرض؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]؛ فخليفة الله في الأرض: هو من التزم شرعه الذي ارتضاه وآمن به، كلٌّ بحسب زمانه.

 

أما اليوم، فإن مشيئة الله سبحانه أن يُعبَدَ وَفْقَ دين الإسلام فقط، وكل دين غيره فباطل، وصاحبه لا يُعَدُّ من أهل الجنة، وليس له أن يحكم شبرًا فيها بغير شرع الله سبحانه؛ لأن الله – تبارك اسمه – قال: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، فالأرض أرضه، ولا يرضى أن تُحكَمَ أرضُه إلا بشريعته، قال سبحانه: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [يوسف: 40]؛ فلا سلطان في هذه الأرض إلا لعباده المسلمين، وكل ما عدا ذلك فهو باطل، وهذه البلاد خاضعة أيضًا لهذا القانون الرباني.

 

ناهيك عن أن آيات الذم لهم وانتقاصهم لجرائمهم كثيرةٌ في كتاب الله، ومثل هذه الآيات التي يستدل بها هي للمنِّ عليهم، والتذكير بإحسان الله عليهم ورد إحسان الله بالكفر والإساءة، لا لتقرير حكم شرعي أن الأرض لهم إلى قيام الساعة.

 

كيف والنبي صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل عليه القرآن وعرفه وفهمه ووعاه، هو من أرسل جيوش المسلمين لتفتح كل بلاد الله؛ ليعيدها إلى سلطان الله سبحانه؟

 

كيف وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حَمَلة الكتاب، وحُماة الإسلام، وفقهاء الأمة، هم من حرَّروها وأرجعوا سلطانها لله، فلم يعترض عليهم بهذه الآيات، ولم يخيل في الذهن ذلك؟!

◘ ◘ ◘ ◘ ◘

 

واعلم أنه قد يعترض يهود بأن في الآيات دليلًا على دخولهم البلاد قبل المسلمين، فهم أقدم تاريخًا من المسلمين، وهذا يعني أنها حق لهم دون غيرهم؟ وقد سمعنا هذه الشبهة منهم كثيرًا، ولا تكاد تحوي عقولهم غيرها!

 

فالجواب حينها من وجوه:

أولها ورأسها وأهمها ما قلته سابقًا: أن الأرض لله أورثها عباده الصالحين، ولا دين يُقبَل اليوم عند الله غير الإسلام، وكل من لم يعتنق الإسلام فهو كافر، حكمه في كتاب الله النار، فلا يصح لهم في الدنيا حكم ولا سلطان على بلاد الله، ولو لم يسبق إليها قدم من المسلمين على مر التاريخ؛ ولذلك أرسلت جيوش الإسلام لكل الأمم، وسمي نصرُهم فتوحاتٍ.

 

ثانيًا: صحيح أن المسلمين جاؤوا بعد اليهود بآلاف السنين، ولكن العرب كانوا أسبق من ذلك بكثير، فنسل العرب واليهود بدأ من عهد إبراهيم عليه السلام على سواء، وكان العرب أكثر عددًا وأكثر نباتًا وثباتًا ومقامًا منهم، وقد كثروا في اليمن وانتشروا في غيرها من البلاد، وهناك قول – يحتاج إلى تحقيق – مفادُه: أن العرب هم الجبَّارون الذين حاربهم اليهود بعد عهد موسى عليه السلام، وعند أول دخول لهم لهذه البلاد، فضخامة الأجسام معروفة ثابتة في العرب البائدة كعاد وثمود وطسم والعمالقة من قبائل العرب الذين حفروا الجبال واستوطنوها.

 

ثالثًا: إن سلمنا جدلاً دخول يهود هذه البلاد قبل العرب بآلاف السنين، فهل هذا يعني أن تحِلَّ لهم البلاد، واستعباد أهلها وقتلهم وتهجيرهم بحُجة الأسبقية؟

 

إن كان نعم، فنسأل حينها  – وحق لنا أن نسأل -: هل ما فعله هتلر بهم في بلاده من قتل وسجن وتشريد حقٌّ ومنطقيٌّ؛ إذ تلك بلاده ولم يثبت أن استوطن اليهود فيها سابقًا؟

 

وهل يُقِرُّون بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وبني النضير وبني قريظة وبني قينقاع من قبائل اليهود إذ لم يستوطنوا جزيرة العرب من قبل؟

 

وهل يجب على كل شعب أمريكا الهجرة والزوال وإعادة الأرض للسكان الأصليين من الهنود الحمر الذين أقيمت حضارة أمريكا على ستين مليون جثة منهم؟

 

وهل واجب على كل شعب وكل إنسان أن يعقد لنفسه فحص (DNA) ليعلم ما هي أصوله، وأين نبت أجداده أول مرة، فيرجع لهناك؟!

 

هذا فقه غريب عجيب!

فمن أراد أن يؤصل لهذا الغَيِّ فليؤصل كما يشاء، ولكن بعيدًا عن كتاب الله وآيِهِ.

وليعلم – ولا بد أن يعلم عاجلاً أم آجلاً -:

﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].


 

شاركنا بتعليق


تسعة − أربعة =




بدون تعليقات حتى الآن.