سلسلة المعصية وشؤمها 8- (“وأتبع السيئة الحسنة تمحها”،):

الجمعة _30 _ديسمبر _2016AH admin

 

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.

مما لا يخفى على أحد أيها الإخوة أن الله تعالى أوسع رحمته على عباده، فضاعف الحسنات، فجعلها بعشر أو تزيد، ولم يضاعف السيئات، فجعلها بواحدة أو يغفر، وهذه نعمة كبرى على المسلم أن يستشعرها كل حين؛ حتى يتجدد عنده سعة فضل الله –تبارك وتعالى- عليه، فلابد في هذا المجال أنه إذا فعل السيئة، أن يتبعها بحسنة لعلها تمحها، يقول الله –تبارك وتعالى-:﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾[هود:114].

 وفي الحديث، في قوله –عليه الصلاة والسلام-: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"([1]). ويقول أبو عبيدة –رضي الله عنه-: " التهلكة هي أن يُذنب العبد ذنبًا، ثم لا يعمل عبده خير حتى يهلك".

 ويوضح ذلك قوله: «أَلَا رُبَّ مُبَيِّضٍ لِثِيَابِهِ مُدَنِّسٌ لِدِينِهِ، أَلَا رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُهِينٌ، أَلَا بَادِرُوا السَّيِّئَاتِ الْقَدِيمَاتِ بِالْحَسَنَاتِ الْحَدِيثَاتِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَسَاءَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً لَغَلَبَتْ سَيِّئَاتِهِ حَتَّى تُقْهِرَهُنَّ»([2]) فالهالك أيها الإخوة من غلبت سيئاته على حسناته، مع وجود هذه المضاعف للحسنات.

ويقول الحسن –رحمه الله-: (استعينوا على هدم السيئات بفعل الحسنات).

 فالذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا لم يعمل خيرًا قط، إلا أنه تاب وهاجر من بلد السوء إلى بلد الخير، فمات في طريقه، فقبضته ملائكة الرحمة بعد خصامها مع ملائكة العذاب([3])، لكنه أتبع السيئة بالحسنة.

 وإذا كان هذا هو منهجك، فإنك لن تستمر على فعل المعصية، فإن هذه الحسنة لابد أن يكون لها أثر رجعي في البعد عن المعصية تمامًا.

فالقضية خلاصٌ، وليست مقايضة، فاحرص على الخلاص حتى تسلم دنيًا وأخرى، ولا تتهاون، ولكن أنظر على عظمة ما عصيت، وهو الله –تبارك وتعالى- حيث يراك حين فعلك. وأجزم أيضًا لو استشعرت هذا لكفى زجرًا عن الشر

وفق الله الجميع لما يرضاه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

فضيلة الشيخ:

خالد الجريش

 



([1]) أخرجه الترمذي (1987) من حديث أبي ذر، وقال "حسن صحيح".

([2])أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 34621)، وأحمد في الزهد ( 1026)، وأبو داود الزهد (116)

([3])  أخرج قصته البخاري(3470)، ومسلم (2766) واللفظ له عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ ".

 

شاركنا بتعليق


تسعة + 5 =




بدون تعليقات حتى الآن.