فضل التوكل 2

الأحد _10 _فبراير _2019AH admin
فضل التوكل 2

ومما يدل على فضله وعلو منزلته أن الله أمر به في أكمل الأحوال والعبدات والمقامات:

  • مقام العبادة(( فاعبده وتوكل عليه)) فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والخلق بالعبادة والتوكل. وقال تعالى: (( واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيراً وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً))، توكل على الله في جميع أحوالك وأمورك فهذا التوجيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليتوكل على الله ويتقيه ويعبده ويتبع ما يوحى إليه من ربه فهو أمر له ولأمته من بعده إلى يوم القيامة.
  • في مقام الدعوة، فجاء الخطاب لرسول الله والأصل هو خطاب لأمته إلا إذا دل الدليل على تخصيص له فقال تعالى: (( فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)).

 فهو الذي تنتهي إليه القوة والملك والعظمة والجاه وهو حسب من لاذ به ويكفي من استجار به ويدفع عنه الشر عز وجل ويحميه.

 ونوح عليه السلام أيضاً في مجال الدعوة: (( قال يا قومي إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت)).

 فهذه الدعوة من نوح عليه السلام والإنذار الطويل والتذكير المستمر الذي رافقه وقابله من قومه تكذيب وإعراض بعدما بلغ الضيق منه توكل على الله وفوض الأمر إليه وهو ماضٍ في الدعوة.

إذاً الداعية إلى الله إذا جُوبه بالإعراض من المدعوين والصدود والرد وعدم الاستجابة فإنه يتوكل على الله والله يكفيه شر هؤلاء المعرضين، ويوسع صدره الذي ضيقوه بإعراضهم.

  • في مقام الحكم والقضاء ، قال تعالى: (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب)) فالرسول صلى الله عليه وسلم أمره كله إلى الله، أناب إلى ربه وتوكل عليه وفوض أمره لله.
  • في مقام الجهاد وقتال الأعداء، قال تعالى: (( وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم* إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) فمع أنه يعد العدة ويجهز الجيش ويعيّن الأماكن يأخذ بجميع الأسباب ومع ذلك أمر بالتوكل لأن النصر بيد الله (( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) فكأنه يقول لهم إن كنتم في حال ضعف فالنصر بيد الله فتوكلوا عليه (( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون)).

ولو كنتم في حال الكثرة والقوة أيضاً فيجب عليكم أن تتوكلوا فإنكم إذا ما توكلتم على الله فلن تنفعكم الكثرة (( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً)) ولو كانوا في معركة وأرخى لهم العدو جناح الذل وريش الوداعة وظن المؤمنون أن المعركة قد انتهت فلابد أن يبقى الارتباط والتوكل على الله ولو قال العدو نريد السلم وخنعوا (( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله)). التوكل لا ينقطع مع أن المعركة انتهت والحرب وضعت أوزارها وخنع الأعداء للسلم و ذلوا واستسلموا.

 وفي الحديبية كان الرسول صلى الله عليه وسلم قادراً على مواصلة الجهاد والقتال بل كان مستعداً لاقتحام مكة وقال بايعوني على الموت، ولكن جنح للسلم لما جنحوا لها لعل أن تكون فرصة  الدعوة مواتية ، لذلك فقد دخل في الإسلام بعد الحديبية أضعاف أضعاف ما كان قبله وفي سنوات أقل، إذاً لو طلبوا السلم والحرب الآن توقفت فتوكل على الله  وإن أرادوا خداعكم فإن الله حسبك ولابد من استمرار التوكل على الله حتى في حال الغلبة والانتصار على العدو.

 وفي قصة موسى قال تعالى: (( قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإنا داخلون* قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)).

  • في مقام المشورة، قال تعالى: (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين))، فأخذ المشورة من باب الأخذ بالأسباب فآراء الناس أسباب تعين على الاهتداء إلى الصواب وأخذ القرار الصحيح، ولكن لا ينفك المؤمن في هذه الحالة حتى لو عندهم كبار المستشارين عن التوكل على الله.

 ولذلك بعض هؤلاء يغترون ويظنون أن وجود آراء المستشارين يغني عن التوكل وأنه عنده الخبراء الكبار وعنده المستشارون العظماء ونقول يمكن أن يضل هؤلاء كلهم ويأمرون بقرارات خاطئة، وقد يشيرون لأمر صائب ويخطئون في تنفيذه، إذاً لابد من التوكل على الله حتى مع أخذ الآراء.

  • في مقام طلب الرزق، قال تعالى: (( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)) وقال: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً)).
  • في مقام العهود والمواثيق، وقد أخبر الله عن يعقوب عليه السلام في قصة يوسف وأخوته: (( قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقاً قال الله على ما نقول وكيل)) والموثق هو العهود والأيمان المغلظة، (( وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون)).
  • في مقام الهجرة في سبيل الله وهو عظيم وأليم على النفس أن يترك الإنسان مأواه وداره وأمواله ويتغرب ويضحي بعشيرته وبذكريات حبيبته ولكن يهوّن عليه التوكل على الله ، قال تعالى: (( والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوأنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعملون * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون)).

ومن الذي يهون الهجرة والفرقة؟ هو التوكل على الله .

فإن مهاجرة الحبشة الذين اشتد عليهم الأذى هاجروا هجرتين مشهورتين والنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أيضاً هاجروا وفي طريق الهجرة حصل ابتلاء وخوف ((إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها)).

  • في مقام إبرام عقود البيع والإجارة والزواج، موسى عليه السلام لما اتفق مع الرجل الصالح على أن يزوجه ابنته على أن يأجره ثماني حجج أجير وراعي غنم وإذا أتم عشراً فهذا حسن وليس بواجب(( فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين* قال هذا بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل)) وقد قضى موسى العشر وأتمها وأكملها كما جاء في الحديث (( إن نبي الله إذا قال فعل))، والأليق بالنبي هو الأكمل.

 

شاركنا بتعليق


17 + 15 =




بدون تعليقات حتى الآن.