فوائد من حديث شعب الإيمان

الخميس _26 _نوفمبر _2015AH admin
فوائد من حديث شعب الإيمان

فوائد من حديث شعب الإيمان

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، وأشهد أنْ لا إلـٰه إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله ؛ صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا ، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . أمَّا بعدُ :

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ)) ؛ هذا الحديث ويُعرف عند أهل العلم بـ«حديث الشُّعب» أو بـ«حديث شعب الإيمان» ، ومنهم من أفرده بالتصنيف بل منهم من أفرده في مجلدات كبار فيه فوائد كثيرة :

فمن فوائد هذا الحديث: أنَّ الإيمان شعب كثيرة وخصال عديدة ؛ قال ((بِضْعٌ وَسَبْعُونَ)) ، ومن أهل العلم من يرى أن العدد لا مفهوم له وإنما المراد به التكثير ، فالإيمان شعبٌ كثيرة وخصال متعددة وأعمال متنوعة .

– ومن فوائد هذا الحديث: أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ؛ سواء منها أعمال الجوارح كإماطة الأذى عن الطريق ، أو أعمال القلوب كالحياء ، خلافًا للمرجئة بأصنافهم ممن يُخرجون العمل من مسمى الإيمان ولا يجعلونه داخلًا فيه .

– ومن فوائد هذا الحديث: أن خصال الإيمان ليست على درجة واحدة بل هي خصالٌ متفاوتة وأعمال متفاضلة وشعبٌ بعضها أفضلُ من بعض ، ولهذا قال «أعلاها» و«أدناها» هذا دال على التفاوت بين شعب الإيمان .

– ومن فوائد هذا الحديث: أن الإيمان يزيد وينقص ويقوى ويضعف وأن أهله ليسو فيه على درجة واحدة بل بينهم تفاوت عظيم وذلك بحسب حظهم من شعب الإيمان زيادةً ونقصا قوةً وضعفا ، ومن المعلوم أن أهل الإيمان في قيامهم بهذه الشعب -شعب الإيمان وخصاله- بينهم تفاوت كبير ، وهم في الجملة بهذا التفاوت ينقسمون إلى أقسام ثلاثة ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }[فاطر:32] .

– ومن فوائد هذا الحديث:  أهمية التوحيد وعظم شأنه وأنه أول الأمر وأساسه وعليه قيام دين الله سبحانه وتعالى، والتوحيد هو مدلول لا إله إلا الله ، فهي كلمة التوحيد وهي كما في هذا الحديث أعلى شعب الإيمان، فإن أعلى شعب الإيمان قول لا إله إلا الله ، والمراد بقولها: أي بالقلب عقيدةً وباللسان نطقًا وتلفظا، لأن الأصل في القول إذا أُطلق أن يشمل قول القلب وقول اللسان ، كقوله تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}[البقرة:136] ليس المراد قولوها بألسنتكم قولًا مجردا ؛ بل قولوها بقلوبكم إيمانًا واعتقادا وبألسنتكم نطقًا وتلفظا ، ومثله قول النبي عليه الصلاة والسلام : ((قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ)) . ((فأعلاها قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) أي أعلى شعب الإيمان أن يقول «لا إله إلا الله» عن عقيدة وإيمان وتوحيد ، أما إذا قال «لا إله إلا الله» قولا مجردًا ولم يحقق التوحيد الذي دلت عليه فإنها لا تنفعه وإن قالها مئات أو آلاف المرات .

– ومن فوائد هذا الحديث: فضل «لا إله إلا الله» وعظم شأن هذه الكلمة المباركة ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) فهي أفضل الذكر وهي أعلى شعب الإيمان وهي أعظم مباني الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام : ((بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ...)) الحديث، وهي مفتاح دعوة الرسل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25] .

– ومن فوائد هذا الحديث: أن التوحيد والعناية به أمرٌ مقدمٌ على كل أمر ؛ فإن التقديم يدل على الاهتمام والتعظيم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قدَّم هذه الكلمة على كل شعب الإيمان وجميع خصال الدين ، فيستفاد من ذلك أن الواجب على كل مرء أن تكون عنايته بأمر التوحيد تفقهًا وفهمًا وعملا مقدَّمةً على العناية بأمور الدين الأخرى ، كيف لا!! والتوحيد هو الأساس الذي يبنى عليه الدين ، فإن مثل كلمة التوحيد في الدين كمثل الأصول للأشجار والأساس للبنيان ، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ }[إبراهيم:24] .

– ومن فوائد هذا الحديث: أهمية الإحسان إلى عباد الله بجميع وجوه الإحسان المهيأة والمتيسرة للمرء وأن هذا باب من أبواب الرفعة عند الله سبحانه وتعالى ، ومن ذلك إماطة الأذى عن الطريق ، أي عن طريق المسلمين. وإماطة الأذى عن الطريق طريق المسلمين عملٌ يسير لكن ثوابه عند الله سبحانه وتعالى ثواب عظيم وهي صدقة من مميط الأذى عن الطريق على إخوانه المسلمين ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة . وهذه الخصلة هي أيضًا من الدلائل على تفاوت الناس في الإيمان وشعبه وخصاله ، لأنك إن نظرت إلى حال الناس مع هذه الشعبة من شعب الإيمان تجد أنهم في الجملة ثلاثة أقسام :

1.   قسم يضع الأذى في الطريق .

2.   وقسم يدع الأذى في الطريق .

3. وقسم يميط الأذى عن الطريق ؛ وهو خير الناس وأفضلهم وأنفعهم لعباد الله . وقد جاء في الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام ((أن رجلًا مر بغصن شجرة ذي شوك في طريق المسلمين فقال والله لا أدع هذا في طريق المسلمين فيؤذيهم ؛ فنحَّاه عن الطريق فشكر الله عمله فأدخله الجنة)) .

–  ومن فوائد هذا الحديث: أن لا يتقال المسلم من أعمال البر والإحسان شيئا ، فقد تقوم بعمل تراه قليلًا وتظن أن مثوبته عند الله سبحانه وتعالى قليلة ويكون العمل هذا الذي تراه قليلا سبب لدخولك الجنة ، مثل ما حصل في قصة هذا الرجل الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خبره .

– ومن فوائد هذا الحديث: أهمية الإخلاص لله سبحانه وتعالى في الأعمال بما فيها الأعمال التي يُقصد بها نفع الناس كإماطة الأذى عن الطريق ؛ فإن هذه الأعمال لا تدخل في صالح عمل المرء إلا إذا ابتغى بها وجه الله، لكن من فعل هذه الأعمال من أجل ثناء الناس ومدحهم وما قصد التقرب بهذه الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى فإنه لا تدخل في صالح عمله ، إذ لا يدخل في صالح العمل إلا ما قُصد به التقرب وأريد به وجه الله {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا }[الإنسان:9] .

– ومن فوائد هذا الحديث: عظم شأن الحياء وهو من أعمال القلوب ، وأن الحياء من الإيمان وداخل في شعبه ، والحياء خلة مباركة وخصلة عظيمة إذا قامت في قلب العبد حجزته عن الرذائل ودفعته للإقبال على الفضائل، ومن نزُع من قلبه الحياء لم يبالِ بما وقع فيه من شر أو فساد ، وفي الحديث ((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)) .

– ومن فوائد هذا الحديث: الحث على العلم -علم الشريعة- والتفقه في دين الله سبحانه وتعالى ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر أن شعب الإيمان كثيرة وأن لها أعلى ولها أدنى تضمن هذا الذكر حثًا للعباد على تعلُّم هذا الإيمان بشعبه ، سواء منها ما كان قريبًا من الأعلى أو كان قريبًا من الأدنى ؛ ولهذا العلماء رحمهم الله تعالى بذلوا جهود كبيرة جدا في التفقه في هذا الحديث نفسه ، حتى إن بعضهم أفرده في السبع والثمان والتسع مجلدات تفقهًا في هذا الحديث العظيم ، ومنهم من أمضى في هذا الحديث تفقهًا السنوات ، ومن الطرق العجيبة -ويمكن أن تقرؤوا ذلك في فتح الباري- في قصة ابن حبان رحمه الله مع هذا الحديث التي أخبر هو بها عن نفسه ، وهي موجودة ليست في فتح الباري وإنما في كتابه الصحيح «صحيح ابن حبان» وفي أيضا ترتيبه المعروف بالإحسان ؛ذكر رحمه الله تعالى طريقته العجيبة مع هذا الحديث المبارك . الحاصل أن من فوائد هذا الحديث الحث على العلم والترغيب فيه وأهمية العناية بمعرفة الإيمان ومعرفة شعبه وخصاله المتنوعة .

– ومن فوائد هذا الحديث: أن من الإيمان ما يكون في القلب،  ومنه ما يكون باللسان ، ومنه ما يكون بالجوارح كإماطة الأذى عن الطريق ، فليس الإيمان شيء يكون في القلب فقط بل الإيمان كما قال أهل السنة: قولٌ واعتقادٌ وعمل ؛ قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وأيضا عمل بالقلب ، القلب له أعمال كثيرة منها الحياء كما في هذا الحديث .

والحديث فيه فوائد عظيمة ومتنوعة ، ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يزيننا أجمعين بزينة الإيمان ، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ، وأن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا .

سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه .

المقال للشيخ: عبدالرزاق بن عبد المحسن البدر

شاركنا بتعليق


خمسة × اثنان =




بدون تعليقات حتى الآن.