في دائرة الهموم

الأثنين _30 _يناير _2017AH admin

قال النبي ﷺ :"كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"([1]).

وهذا الغدو لا بد له من همّ ، ويخرج الانسان من همّ إلى همّ ، وهكذا تدور الأيام ونحن نتنقّل في ثنياها بين الحزن والفرح، والعسر واليسر والشدة والفرج والغنى والفقر والصحة والمرض، وبين أخطاء الناس وإحسانهم  وبين عقلائهم وصغار العقول نتجرع غصص الأخطاء من القريب والبعيد، وأحيانا تكون الهموم نفسية تتلبّسها الأوهام وينفخ فيها الشيطان؛ لتصبح حقيقة جاثمة تؤرّق النفس وتكدر صفو الحياة

*وهذه مخارج من الهموم*

·                  لا بد من الهموم، ولا خلاص لأحد منها {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]ولكن يقولون: لا تهتم بصغائر الأمور، فكل أمور الحياة صغائر.

·                  لا تقف من المشاكل الموقف السلبي فتجزع وترد علي المخطئ بالمثل، فيزداد همك؛ لأنك شحنت النفس بالانتقام، بل كن إيجابياً عفواً محسناً ًًمترفعاً عن مثل أخلاق من أساء إليك، لتكن صاحب القلب الكبير ذا الخلق الرفيع .

·                  اطلب الأجر في كل ما أصابك، فإنه لا يضيع عند الله مثقال ذرة إذا احتسبت.

·                  لا تظن أن كل من أخطأ عليك قصد ظلمك أو إهانتك، فلربما وقع الخطأ سهواً، أولم يُرَد به ما وقع في نفسك، فأحسن الظن بحمل صاحبك على المحمل الحسن، واطلب المعاذير، فلعل له عذر وأنت تلوم.

·                  لا تقل: إني أعلم فضيلة العفو وإحسان الظن وجميل التغافل، ولكن لا أستطيع دفع الألم عن نفسي من لهيب ذلك الخطأ، بل  تذكر قول الله {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]،ثم درّب النفس على التجاوز وأشغلها بمداواة عيوبها، ولا تحكم حال الغضب، وأعط فرصة للتأمل حتى تهدأ لترى الموضوع بمنظار العدل والإنصاف.

·                  لا تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به؛ لأن الذي لا يؤثر عليك وتراه سهلًا قد يكون عند غيرك كبيرًا؛ فإن العقول والأمزجة ليست واحدة.

·                  لا يكن خطأُ الآخرين عليك سبباً في ضياع حسناتك بالوقوع في أعراضهم، فأخطاؤهم لا تبرر غيبتهم واستحلال ما حرم الله من حرماتهم.

·                  قالوا: الدوائر ثلاث: دائرة الهموم، ودائرة الاهتمام، ودائرة التأثير:

–                  فدائرة الهموم هي العامة للأمة التي تنكأ الجراح، لكنها لا تخصك وحدك.

–                  ودائرة الاهتمام هي التي تخصك، لكنك لا تستطيع أن تعمل لإزالتها شيئاً.

–                  ودائرة التأثير هي التي تستطيع أن تصنع شيئاً في واقع الحياة تؤثر من خلاله بنفسك وتنفع الآخرين، وتدفع عنهم ما تستطيع.

·                  جاهد النفس في الإحسان للآخرين، فما أقر نفس المحسن! وما أطيب عيشه! والناس تدعو له يوم أن سعى في قضاء حوائجهم، والجزاء من جنس العمل. فمن أحسن أحسن الله إليه وشرح صدره وفرج همه ونفّس كربه.

·                    إن سمو النفس والقوة، وعلو الهمة في الاشتغال بما ينفعك عند الله، وليس في الاصطلاء على جمر الإساءة اليك. وتذكر أخي هذه المعاني من قول نبيك ﷺ: "وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا"([2]) وفي لفظ "وَلَا عَفَا رَجُلٌ عَنْ مَظْلَمَةٍ إِلَّا زَادَهُ اللهُ بِهَا  عِزًّا" ([3]).

·                  عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: " أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا"([4]).

·                   عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»([5])

·                  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ» ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ»([6]).

·                  وحاصل القول في قول الحق ـ عز وجل ـ{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت: 34، 35]

المشرف العام:

فضيلة الشيخ: عبد الله السلوم



([1]) رواه مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري

([2]) مسلم (2588) من حديث أبي هريرة.

([3]) أخرجه أحمد 2/235 (7206).

([4]) قضاء الحوائج لابن أبي الدنيا (ص: 47) برقم (36) وحسنه الألباني في الصحيحة(906).

([5]) البخاري(6114)، مسلم( 2609).

([6])أخرجه ابن ماجه (4216 ) وقال البوصيري كما في مصباح الزجاجة (4/ 240)"هَذَا إِسْنَاد صَحِيح"، وصححه الألباني في الصحيحة (948).

 

شاركنا بتعليق


9 − أربعة =




بدون تعليقات حتى الآن.