قصة الإمام أحمد مع المعتصم

الجمعة _19 _يوليو _2024AH admin
قصة الإمام أحمد مع المعتصم

قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: كَانَ يُوجَّهُ إِلَيَّ كلَّ يَوْمٍ بِرَجلَيْنِ، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَبَاحٍ، وَالآخرُ أَبُو شُعَيْبٍ الحجَّامُ، فَلاَ يَزَالاَنِ يُنَاظرَانِي، حَتَّى إِذَا قَامَا دُعِيَ بِقَيدٍ، فَزِيدَ فِي قُيُودِي، فَصَارَ فِي رِجْلِيَّ أَرْبَعَةُ أَقيَادٍِ.

فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، دَخَلَ عَلَيَّ، فَنَاظرَنِي، فَقُلْتُ لَهُ:

مَا تَقُوْلُ فِي عِلْمِ اللهِ؟

قَالَ: مَخْلُوْقٌ.

قُلْتُ: كَفَرْتَ بِاللهِ .

فَقَالَ الرَّسُوْلُ الَّذِي كَانَ يَحضرُ مِنْ قَبْلِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ هَذَا رَسُوْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.

فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ كَفرَ.

فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَجَّهَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- بِبُغَا الكَبِيْرِ إِلَى إِسْحَاقَ، فَأَمرهُ بِحملِي إِلَيْهِ، فَأُدْخِلتُ عَلَى إِسْحَاقَ، فَقَالَ:

يَا أَحْمَدُ، إِنَّهَا -وَاللهِ- نَفْسُك، إِنَّه لاَ يَقتلُك بِالسَّيْفِ، إٍِنَّهُ قَدْ آلَى – إِنْ لَمْ تُجبْه – أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرباً بَعْدَ ضَربٍ، وَأَنْ يَقْتُلكَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُرَى فِيْهِ شَمسٌ وَلاَ قمرٌ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّا

جَعَلْنَاهُ قُرْآنَا عَرَبِيّاً} [الزُّخْرُفُ: ٣] ، أَفيَكُوْنُ مَجعولاً إِلاَّ مَخْلُوْقاً؟

فَقُلْتُ: فَقَدْ قَالَ -تَعَالَى-: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيلُ:٥] أَفَخَلَقَهُم؟

قَالَ: فَسَكَتَ.

فَلَمَّا صِرنَا إِلَى المَوْضِعِ المَعْرُوْفِ بِبَابِ البُسْتَانِ، أُخرجتُ، وَجيءَ بدَابَّةٍ، فَأُرْكبتُ وَعَلَيَّ الأَقيَادُ، مَا مَعِي مَنْ يُمْسِكُنِي، فَكِدتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنْ أَخِرَّ عَلَى وَجْهِي لِثِقَلِ القُيودِ.

فَجِيءَ بِي إِلَى دَارِ المُعْتَصِمِ، فَأُدْخِلْتُ حُجْرَةً، ثُمَّ أُدخلتُ بَيتاً، وَأُقفلَ البَابُ عَليَّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَلاَ سرَاجَ.

فَأردتُ الوضوءَ، فَمددتُ يَدِي، فَإذَا أَنَا بَإِنَاءٍ فِيْهِ مَاءٌ، وَطسْتٌ مَوْضُوْعٌ، فتوضَّأتُ وَصَلَّيْتُ.

فلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أَخْرَجْتُ تِكَّتِي، وَشددتُ بِهَا الأقيَادَ أَحمِلُهَا، وَعَطفتُ سَرَاويلِي.

فَجَاءَ رَسُوْلُ المُعْتَصِمِ، فَقَالَ: أَجبْ.

فَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَدخلَنِي عَلَيْهِ، وَالتِّكَّةُ فِي يَدِي، أَحْمِلُ بِهَا الأقيَادَ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ حَاضِرٌ، وَقَدْ جَمَعَ خَلقاً كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِه.

فَقَالَ لِي المُعْتَصِمُ: ادنُه، ادنُه.

فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِينِي حَتَّى قَرُبتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: اجلسْ.

فَجَلَسْتُ، وَقَد أَثقلتْنِي الأقيَادُ، فَمكثْتُ قَلِيْلاً، ثُمَّ

قُلْتُ: أتَأذنُ فِي الكَلاَمِ؟

قَالَ: تَكَلَّمْ.

فَقُلْتُ: إِلَى مَا  دَعَا اللهُ وَرَسُوْلُه؟

فَسَكَتَ هُنَيَّةً ، ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ.

فَقُلْتُ: فَأَنَا أشهدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ.

ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ جدَّك ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ:

لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْد القيسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوهُ عَنِ الإِيْمَانِ، فَقَالَ: (أَتَدْرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ؟) .

قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُه أَعْلَمُ.

قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنَّ تُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ (١)) .

قَالَ أَبِي: فَقَالَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ-: لَوْلاَ أَنِّي وَجَدْتُك فِي يَدِ مَنْ كَانَ قَبلِي، مَا عَرَضتُ لَكَ.

ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ إِسْحَاقَ، أَلَم آمُرْكَ برفعِ المِحْنَةِ؟

فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ! إِنَّ فِي هَذَا لَفَرَجاً لِلْمُسْلِمِيْنَ.

سير أعلام النبلاء ط الرسالة 11/243.

شاركنا بتعليق


عشرة + خمسة عشر =




بدون تعليقات حتى الآن.