مراتب الخشوع

الجمعة _27 _أغسطس _2021AH admin
مراتب الخشوع

لا شك أن هذا المعنى يتفاوت، ولا يكون الناس فيه أيضاً على وتيرة واحدة، وابن القيم – رحمه الله – يجعل الخشوع من هذه الحيثية – أي من جهة مراتبه – ثلاث مراتب:

الأولى: وهي التذلل لأمر الله تعالى مع الاستسلام لحكمه، مع التواضع لنظر الله عز وجل له، هذه هي المرتبة الأولى.

فالتذلل لأمر الله – تبارك، وتعالى – : أن نتلقاه بذلة من غير استنكاف، ومن غير نفرة، ومن غير تعالٍ عليه، وإنما يخضع العبد لأمر ربه، ومولاه عز وجل فيقبل هذا الأمر، وينقاد إليه، ويتمثل هذا التوجيه الرباني مع موافقة الباطن لظاهره، مع إظهار الضعف، والافتقار لهداية الله عز وجل فهو منقاد لأمر ربه بقلبه، وجوارحه متواضع لله عز وجل.

وأما الاستسلام لحكم الله عز وجل: فهذا يشمل الحكم بنوعيه: الحكم الشرعي، فلا يعترض على شرائع الدين، وأحكام الله تعالى الدينية، فيقول: يا رب لماذا تشرع هذا؟ ولا يعترض على أحكام الله القدرية الكونية، فإذا نزلت به مصيبة، أو بمن يحب، فإنه يتلقى ذلك بالصبر، والرضا دون أن يتسخط، ودون أن يعترض على الأقدار، فهو لا يعارض أمر الله الشرعي بشهوة، ولا برأي، ولا يعارض قدر الله بتسخط، و تذمر، وامتعاض.

وأما ما يتعلق بالتواضع لنظر الله عز وجل : فهو أن يتواضع القلب، والجوارح لله سبحانه فينكسر قلبه، وينكسر العبد أيضاً لاستشعاره أن الله ينظر إليه، ويراه، وأن الله مطلع عليه، يعلم تفاصيل أحواله، هذه هي المرتبة الأولى.

أن تستسلم لربك، ومولاك ظاهراً، وباطناً، وأن تخضع لأحكامه القدرية، وأحكامه الشرعية، وأن تتطامن، وتتواضع لربك، ومليكك عز وجل.

وأما المرتبة الثانية: فهي الرجوع إلى النفس باستشعار نقصها، وضعفها، وعجزها، أن يستشعر العبد أنه مقصر، ومذنب، فيورثه ذلك أيضاً تواضعاً، وأما في نظره إلى الخلق فإنه يرى فضاءلهم، ومحاسنهم، فنظره إلى النفس بأن لا يلتفت إلى محاسنها، ومن ثَمّ فلا يطالب الناس بحقوقه عليهم، ولا يطالب الناس أن يقدموا له شيئاً من الإكرام، والإجلال، أو يتشوق إلى رد المعروف الذي استشعره عليهم، لكنه في المقابل إذا نظر إلى الناس فإنه ينظر إلى إفضالهم، وإحسانهم، وينظر إلى مناقبهم، ومحاسنهم، فيثني عليهم، ويشكر معروفهم، ويحفظ صنائعهم، فلا تضيع، ولا تنسى، وهذا لا شك أنه من أكمل الكمالات، أن العبد ينظر إلى نفسه بعين النقص، وينظر إلى غيره بالنظر إلى فضائلهم، ومحاسنهم، ومن ثَمّ فإنه لا يتعالى على الخلق، ولا يجحد لهم معروفاً، وصنيعاً.

أما المرتبة الثالثة: فهي أن يصفي قلبه من النظر إلى المخلوقين، فلا يلتفت إليهم بعمله الصالح، فلا يعمل أعمالاً صالحة، وقلبه يتشبث بهم، ويتطلع إليهم، هذا مع إخفاء أحواله عن المخلوقين، فلا يعرفون أحواله مع الله سبحانه وتعالى من عبادة، وخشوع، وإخلاص، وغير ذلك مما قد يظهره العبد للناس، فهذا شيء بينه، وبين الله تعالى، فصارت مراتبه ثلاثاً.  

 

شاركنا بتعليق


11 − خمسة =




بدون تعليقات حتى الآن.