مشقة الغربة
السبت _10 _سبتمبر _2022AH adminفراق الوطن عزيز على النفس ثقيل على الطباع، ولما أخرج النبي – صلى الله عليه وسلم – من مكة نظر إليها وقال: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (رواه أحمد).
وقد لاقى فحول العلماء في الغربة ما لاقوا، ولم يثنهم ذلك عن مواصلة طلب العلم، فالإمام أحمد لما خرج إلى عبد الرزاق الصنعاني في اليمن، انقطعت به النفقة، فأكرى نفسه (أي أجرها) على جلالة قدره وعلمه من بعض الحمالين إلى أن وافى صنعاء، وقد كان أصحابه عرضوا عليه المواساة فلم يقبل من أحد شيئاً .
ورهن الإمام أحمد نعله عند خباز على طعام أخذه منه عند خروجه من اليمن. وقال الحافظ ابن كثير ـ وهو يتحدث عن الشدائد التي لقيها الإمام أحمد خلال رحلته إلى اليمن وإقامته فيه لتحصيل العلم والحديث ـ قال: “وسرقت ثيابه وهو باليمن، فجلس في بيته ورد عليه الباب، وفقده أصحابه، فجاؤوا إليه فسألوه، فأخبرهم فعرضوا عليه ذهباً فلم يقبله، ولم يأخذ منهم إلا ديناراً واحداً ليكتب لهم به، ـ أي أخذ الدينار على أن يكون أجرة لما ينسخه لهم من الكتب ـ، فكتب لهم بالأجر رحمه الله”.
والإمام البخاري في الغربة لا يجد ما يستر به عورته، وحكى الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام البخاري قال: “قال عمر بن حفص الأشقر إنهم فقدوا البخاري أياماً من كتابة الحديث بالبصرة، قال: فطلبناه فوجدناه في بيت وهو عريان، وقد نفد ما عنده ولم يبق معه شيء، فاجتمعنا وجمعنا له الدراهم حتى اشترينا له ثوباً وكسوناه، ثم اندفع معنا في كتابة الحديث”. اهـ.
بل كان يأكل من الأرض، وما عنده ما يشتري به طعاماً.
يقول الإمام البخاري عن نفسه: “خرجت إلى آدم ابن أبي إياس في عسقلان، فتخلفت عني نفقتي حتى جعلت أتناول حشيش الأرض ولا أخبر بذلك أحداً، فلما كان اليوم الثالث أتاني آت لم أعرفه، فناولني صرة دنانير، وقال أنفق على نفسك”.
وأبو حاتم يحكي لنا ما قاساه في طلب العلم من الشدة يقول: “في سنة أربع عشرة ـ أي ومائتين ـ بقيت ثمانية أشهر بالبصرة، وكان في نفسي أقيم سنة، فانقطعت نفقتي فجعلت أبيع ثيابي حتى نفدت وبقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي وإلى المشيخة وأسمع إلى المساء، فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيتي لجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت فغدا علي رفيقي فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، وانصرفت جائعاً، فلما كان من الغد غدا علي فقال مر بنا إلى المشائخ، قلت أنا ضعيف لا يمكنني، قال ما ضعفك؟ قلت لا أكتمك أمري قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئاً، فقال قد بقي معي دينار، فنصفه لك ونجعل النصف الآخر في الكراء فخرجنا من البصرة وقبضت منه النصف دينار” .
خطوات إلى السعادة (ص: 45)
شاركنا بتعليق
بدون تعليقات حتى الآن.