مقصود كشف الشبهات

الأحد _24 _مايو _2015AH admin
مقصود كشف الشبهات

مقصود كشف الشبهات

 

الآن ندخل إلى مقصود المؤلف في كشف الشبهات، وذلك أن ذوي الشبهات لهم جوابان:

1- مجمل.

2- ومفصل.

 

الجواب المجمل: خلاصة مقصده:

وهو أنه إذا جاءك القبوري، أو المشرك، أو من يدعو غير الله جل وعلا، أوي صرف له أنواعاً من العبادة يريد أن يصوب ما هو عليه ويبرر حاله فأتاك بأدلة وجاءك بنصوص يريد أن يستدل بها ويلبس عليك فقل: أنا لا أعرف ما تقول بهذا القول، أنا عندي قواطع أبني عليها، وأنا أعرف أن الله جل وعلا ذكر لنا من يلوي لسانه بكلام نالله ليوافق مذهبه، يلوي أناق النصوص ليوافق قوله، وقد حذرنا من هؤلاء كمنا في أول آل عمران: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7].

 

فأنا لا أدع المحكم الذي عندي لأجل المتشابه، وهذا جواب مجمل ينفع مع كل ذي شبهة، ولا تكن إمعة رخواً خفيفاً أينما نُقلت انتقلت، وكيفما حولت تحولت، ما دام أنك أخذت اعتقادك عن علم ويقين فاثبت عليه! ولا تنتقل عنه إلا بشيء مثله بالوضوح أو أوضح منه، وهذا يا أيها الإخوة في كل أمر، وهو في العقيدة أولى، لا تنتقل عن اليقين إلا عن يقين واضح، وبدليل: بصحة استدلال أو بصحة تعليل.

 

أما مجرد شبهه فتصير مثل المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. وهذا هو المنبت الخفيف المرجوج، أما الراسخ الثابت العاقل البصير فتجده أمهل الناس عند الشبهات، وعند الفتن فتنبه!.

 

والوقوف على قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ كما في المصاحف التي بين أيدينا وقف لازم، وعيب على من لا يقف!، لأن الواو بعدها في أشهر أقوال أهل العلم استئنافية ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا ﴾.

 

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر وجهاً ثانياً: أن المتشابه يعلم الله تأويله، ويعلم تأويله الذين أوتوا العلم وهم الراسخون في العلم فيكون الوقف عندئذ وقف مستحب، ولا معيبة على من أتم قراءته ولما يقف، لأن الراسخ في العلم يعلم تأويل هذا المتشابه يرده إلى المحكم.

 

لمَ؟ لأنه بناها على أصل عظيم، وهو أن القرآن ليس فيه متشابه تشابهاً كلياً لا يعرف معناه أحد، وهذا أصل مهم؛ لأن القرآن ما نزل إلا هدى، فلا يشتبه إلا على من لا علم عندهم، على من لم يحققوا العلم فيه، لكنه لا يشتبه على الجميع بل يدريه ويعلمه ويحققه الراسخون في العلم.

 

قال رحمه الله: (وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم».

 

وهذا في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، تقول رضي الله عنها: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم[1].

 

قال رحمه الله: (مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]. أو أن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره فجوابه بقولك: أن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله تعالى ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: ﴿ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس: 18] هذا أمر محكم بين، لا يقدر أحد أن يغير معناه، وما ذكرت لي ايها المشرك في القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يُخالف كلام الله عز وجل).

 

يعني: كيف أترك آيات التوحيد العظيمة الكثيرة في القرآن الكريم وآخذ بشبهتك التي أدليت بها علي. فطريقة أهل الأهواء: يتركون المحكمات كلها ويبحث عن دليل واحد قد يكون ضعيفاً، وقد يكون محتمل الدلالة يستدل به على باطله، وليس هذا في التوحيد فقط، بل وفي مسائل الإيمان تجدهم فيه يبحثون عن حديث فيه أن ترك العمل لا يؤثر في الإيمان!! فكيف نصنع بالنصوص الأخرى الكثيرة التي حتمت العمل، والتي بلغت مبلغ التواتر ما نصنع بها؟! أأتركها لأجل حديث واحد محتمل الدلالة أو ضعيف الدلالة؟ أو ضعيف السند، هذه هي طريقة أهل الأهواء! فإن رضخت لهم دل على نقص علمك ونقص فقهك وعدم رسوخك فيما اعتقدت، بل ويدل ذلك على نقص عقلك وإدراكك. وإن رددت كلامه إلى هذا الأصل سلمت بنفسك وأسلمت لله رب العالمين.

 

إذاً عندك قواطع النصوص لا يناقض بعضها بعضاً ولا يعارض بعضها بعضاً ولا تتخلف، أما ما جئتني به فلا أفهمه ولا أدرك ما تريد من الشبهة فما أترك ما أنا عليه من أمر قاطع لأمر مشتبهٍ فيه، ومعلوم أن الشك يرجع إلى اليقين، فالشك لا يزول بشك مثله وإنما يزول باليقين، فهذه قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة الغراء، وهذا أصل عظيم في هذا الباب، قل: أعتقد أن كلام الله لا يتناقض ولا يتعارض وأن كلام الله حق، أما الذي أتيت به فأنا ما فهمته، وما عرفته وهذا الجواب جواب محكم فرددت أمرك إلى الإحكام لا إلى التشابه.

 

قال رحمه الله: (وهذا جواب سديد ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله فلا تستهن به فإنه كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت].

 

وهذا يجعلك يا أيها الموفق، إذا أُدليت عليك الشبهة سواءً في الفتن، أو في المحن، أو في التحزبات، أو في أمور العقائد: في الإيمان، وفي توحيد العبادة، وفي الأمور العملية، يكون هذا مسلكك، وتنطرح بين يدي الله جل وعلا أن يردك إلى الحق وأن يرشدك وأن يسددك، ولا تستقل برأيك أو تعول على فهمك وفهم جماعتك، لا! بل كُن مع الله جل وعلا سائلاً إياه أن يهديك ولهذا نُكرر الفاتحة ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ في كل ركعة؟ نسأل الله أن نثبت على هذا الدين وأن يهدينا لما ضل عنه غيرنا ولهذا قال:

ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله فلا تستهن به كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت] فبصبرهم حصلوا هذا الفضل العظيم، وما يُلقاها إلا ذو حظ عظيم هذا يقتضي منك أن تبحث عن مقومات هذا الصبر ومقومات هذا الثبات بالانطراح بين يدي الله جل وعلا وبالثبات والرسوخ، إن سكرة الشباب وبعض طلاب العلم، كثرت التنقلات عندهم في كل يوم لهم جادة ومنهج وطريق! وهؤلاء ما أسهل أن يضلوا ويتنكسوا! لم؟ لأن منهجهم غير راسخ، كذلك في باب العلم الشرعي ما أسرع ما تأتيه شبهة فتضله.

 

انظر إلى إخوانك الذين كانوا معك في سبيل الاستقامة والهداية أو في حال الطلب للعلم، كانوا على حال ثم أصبحوا على حالٍ أخرى، نعم أنت وُفقت إلى الآن ما انحرفت لكن اثبت، ابتغ الأسباب في الثبات ولزوم طريقة أهل الثبات على الدين بالمحكمات بطريقة أهل العلم بالرسوخ، وأحذر بُنيات الطريق واحذر الشبهات واحذر الأهواء لئلا تضل كما ضلوا لأن الذين ضلوا إنما ضلوا لأنهم يعتقدون أنهم على حق وهذا معنى قول الله جل وعلا ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر: 8] يظن أنه مصيب وفي الحقيقة هو سيء العمل كيف عرفنا أنه سيء؟ بميزان الكتاب والسنة بميزان العلم بميزان طريقة السلف ﴿ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8] هذا أصل سواء في أهل الإيمان أو في ضعاف الإيمان أو من تنكبوا هذا الطريق إلى طريق أهل الاهواء والبدع والشبهات والتحزبات والقيل والقال أو من انتكس عن دين الله، فكان بعد أن كان متديناً مستقيماً رجع إلى أن كان منحلاً مفرطاً، والمثبت من ثبته الله جل وعلا نسأل الله الثبات على دينه وأن لا يضلنا بعد إذ هدانا: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [2].

 

قال رحمه الله: (وأما الجواب المفصل: فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه: منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم. فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، واقرأ عليهم ما ذكر الله في كتابه ووضحه.



[1] رواه البخاري في صحيحه (5 /165، 166)، كتاب التفسير (سورة آل عمران)، ورواه مسلم في صحيحه 4/2053 كتاب العلم، والنهي عن الاختلاف في القرآن حديث رقم (2665) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[2] سورة آل عمران الآية (8).

 





 

شاركنا بتعليق


خمسة × 1 =




بدون تعليقات حتى الآن.