من مكايد الشيطان لابن آدم ج12

السبت _21 _يونيو _2025AH admin
من مكايد الشيطان لابن آدم ج12

ومن كيده: أنه يُحسِّن إلى أرباب التخلّي والزهد والرياضة العملَ بهاجِسهم وواقعهم، دون تحكيم أمر الشارع، ويقولون: القلب إذا كان محفوظًا

مع الله كانت هواجسه وخواطره معصومة من الخطأ!

وهذا من أبلغ كيد العدو فيهم، فإن الخواطر والهواجس ثلاثة أنواع: رحمانية، وشيطانية، ونفسانية، كالرؤيا، فلو بلغ العبد من الزهد والعبادة ما

بلغ فمعه شيطانه ونفسه، لا يفارقانه إلى الموت، والشيطان يجري منه مجرى الدم، والعصمة إنما هي للرسل صلوات الله وسلامه عليهم، الذين

هم وسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده، ومن عداهم يصيب ويخطئ، وليس بحجة على الخلق.
وقد كان سيِّد المحدَّثين المُلهَمِين عمر بن الخطاب، يقول الشيء، فيردُّه عليه من هو دونه، فيتبين له الخطأ، فيرجع إليه. وكان يَعرِض هواجسَه

وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليها، ولا يحكم بها، ولا يعمل بها.
وهؤلاء الجُهَّال يرى أحدهم أدنى شيء، فيُحكّم هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليهما، ويقول: حدَّثني قلبي عن ربي، ونحن أخذنا

عن الحي الذي لا يموت، وأنتم أخذتم عن الوسائط، ونحن أخذنا بالحقائق، وأنتم أخذتم الرسوم، وأمثال ذلك من الكلام الذي هو كفر وإلحاد، وغاية صاحبه

أن يكون جاهلًا يُعذَر بجهله، حتى قيل لبعض هؤلاء: ألا تذهب فتسمع الحديث من عبد الرزاق؟ فقال: ما يَصْنَع بالسماع من عبد الرزاق مَنْ يسمع من الملك الخلّاق؟!
وهذا غاية الجهل؛ فإن الذي سمع من الملك الخلاق موسى بن عمران كليم الرحمن، وأما هذا وأمثاله فلم يحصل لهم السماع من بعض ورثة الرسول،

وهو يدعي أنه يسمع الخطاب من مُرْسله، فيستغني به عن ظاهر العلم، ولعل الذي يخاطبه هو الشيطان، أو نفسه الجاهلة، أو هما مجتمعين ومنفردين.

ومن ظن أنه يستغنى عما جاء به الرسول، بما يُلْقَى في قلبه من الخواطر والهواجس؛ فهو من أعظم الناس كفرًا، وكذلك إن ظن أنه يكتفي بهذا تارة وبهذا تارة.
فما يُلقى في القلوب لا عبرة به ولا التفات إليه؛ إن لم يُعرض على ما جاء به الرسول ويشهد له بالموافقة؛ وإلا فهو من إلقاء النفس والشيطان.
وقد سُئل عبد الله بن مسعود عن مسألة المُفَوّضة شهرًا، فقال بعد الشهر: «أقول فيها برأيي؛ فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطًا فمني

ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله.

وكتب كاتب لعمر بين يديه: «هذا ما أرى اللهُ عمرَ»، فقال: «لا، امْحُه واكتب: هذا ما رأى عمر».

 

«إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان» (1/ 212 ط عطاءات العلم)

شاركنا بتعليق


4 × أربعة =




بدون تعليقات حتى الآن.