عقيدة الإمام الطبري

الثلاثاء _2 _يونيو _2015AH admin
عقيدة الإمام الطبري

عقيدة الإمام الطبري

 

الإمام محمد بن جرير الطبري من كبار أئمة أهل السنة والجماعة المتَّبِعين منهجَ وعقيدة السلف الصالح في أنواع توحيد الله سبحانه وبقية أصول الإيمان وما يَتْبَعُه من مسائله والصحابة والإمامة.

 

فهو في الكل على مذهب أهل الحديث، مذهب الطائفة الناجية والفرقة المنصورة، لم يُعرَفْ عنه غيرُ هذا، وتفسيره مليء بكل ما ذكرت؛ بل هو مصدر تفسير أهل السنة والجماعة.

 

وقد لقي ابنُ جرير بعضَ التُّهم في مسألة أو مسألتين يأتي الكلام عليها، وقد اشتهرت عقيدته التي كتبها في مقامه الأخير في بغداد – وهي من آخر ما كتبه – وقد تلقاها العلماء والأئمة بعده بالقَبول والاستحسان[1]، وتسمى هذه العقيدة (صريح السنة) أو (شرح السنة) أو (عقيدة ابن جرير)، ويأتي الكلام عليها في آثاره ومؤلفاته.

 

وقد أشار إليها الشيخ ابن تيمية في قاعدة الاسم والمسمَّى من مجموع الفتاوى (6 /187) فقال:

(… وكما ذكره أبو جعفر الطبري في الجزء الذي سماه (صريح السنة)؛ ذكر مذهبَ أهل السنة المشهور في القرآن والرؤية والإيمان والقدر والصحابة وغير ذلك…).

 

ومجمل عقيدته رواها اللالكائيُّ في (شرح أصول السنة) (2 /183) قال: (أخبرنا عُبيدُالله بن محمد بن أحمد – قراءة عليه – قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل، قال: قال أبو جعفر محمد بن جرير:

"فأول ما نبدأ فيه القول من ذلك كلامُ الله عز وجل وتنزيله، إذ كان من معاني توحيده؛ فالصواب من القول في ذلك عندنا: أنه كلام الله عز وجل غيرُ مخلوق، كيف كُتب، وكيف تلي، وفي أي موضع قرئ، في السماء وجد أو في الأرض، حيث حُفِظَ في اللوح المحفوظ كان مكتوبًا، أو في ألواح صبيان الكتاتيب مرسومًا، في حجر نقش، أو في ورق خط، في القلب حفظ أو باللسان لفظ.

 

فمن قال غير ذلك، أو ادَّعى أن قرآنًا في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلو بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه، أو أضمر في نفسه، أو قال بلسانه وأنيابه، فهو بالله كافرٌ حلالُ الدم، بريء من الله والله بريء منه؛ لقول الله – جل ثناؤه -: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 21، 22]، وقال – وقولُه الحق -: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]. فأخبرنا – جل ثناؤه – أنه في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع، وهو قرآن واحد من محمد مسموع، وفي اللوح المحفوظ مكتوب، وكذلك في الصدور محفوظ، وبألسن الشيوخ والشبان متلو.

 

فمن روى عنَّا، أو حكى عنَّا، أو تقوَّل علينا، أو ادَّعى علينا: أنا قلنا غير ذلك، فعليه لعنة الله وغضبه، ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً، وهتَك سترَه، وفضحه على رؤوس الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتُهم، ولهم اللعنة، ولهم سوء الدار.

 

وأما الصواب من القول لدينا في رؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة، وهو ديننا الذي ندين لله به، وأدركنا عليه أهل السنة والجماعة، فهو أن أهل الجنة يرونه على ما صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

والصواب لدينا في القول فيما اختلف فيه من أفعال العباد، وحسناتهم وسيئاتهم: أن جميع ذلك من عند الله، والله مقدِّره ومدبِّره، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يحدث شيء إلا بمشيئته، له الخلق والأمر.

 

والصواب لدينا من القول: أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وبه الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه مضى أهل الدين والفضل.

 

والقول في ألفاظ العباد بالقرآن: فلا أثر فيه أعلمه عن صحابي مضى، ولا من تابعي قَفَا، إلا عمن في قوله الشفاء والغنا، رحمة الله عليه ورضوانه، وفي أتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى: أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل، فإن أبا إسماعيل الترمذي[2] حدثني قال: سمعت أبا عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: اللفظية جهمية؛ لقول الله – عز وجل -: ﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6] ممن يسمع؟!

 

وأما القول في الاسم أهو المسمَّى (أو) غير المسمى، فإنه من الحَمَاقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتَّبع، ولا قول عن إمام فيستمع، والخوض فيه شين، والصمت عنه زين، وحسب امرئ من العلم به والقول فيه أن ينتهي إلى قول الصادق عز وجل، وهو قوله: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110]، وقوله: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، ويعلم أن ربه هو الذي ﴿ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ [طه: 5، 6]، فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر.

 

فليُبلِّغ الشاهد منكم أيها الناس من بَعُدَ منَّا فنأَى، أو قرُب فدنا:

أن الدين الذي ندين به في الأشياء التي ذكرناها ما بيَّناه لكم على ما وضعناه، فمن روى خلاف ذلك، أو أضاف إلينا سواه، أو نحلنا في ذلك قولاً غيره، فهو كاذب (مفترٍ) مُعْتَدٍ متخرص، يبوء بإثم الله وسخطه، وعليه غضب الله ولعنته في الدارين، وحق عليه أن يورده المورد الذي وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرباءه، وأن يحلَّه المحل الذي أخبر نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أن الله يحله أمثاله[3].



[1] من هؤلاء: اللالكائيُّ في (شرح أصول السنة)، وقوام السنة في (الحجة في بيان المحجة)، وابن تيمية في (الحموية الكبرى)، وأبو يعلى في (إبطال التأويلات)، وابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية)، والذهبي في (العلو للعلي الغفار)، وغيرهم ممن لم يحضرني ذكرهم.

[2] هو الإمام الثقة الحافظ محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي الترمذي (190- 280هـ)، وهو غير الإمام أبي عيسى الترمذي صاحب السنن. روى عنه أهل السنن وغيرهم، ومدحه الأئمة ووثَّقوه حتى قال الذهبي: انبرم الحال على توثيقه وإمامته. انظر التهذيب 9 /62 وتهذيب الكمال 1174 وطبقات الحنابلة 1 /279 والسير 13 /242 وتاريخ بغداد 2 /42 وغيرها.

[3] هذه قطعة من عقيدته رواها عنه اللالكائي بالإسناد الصحيح، وبقيتها مطبوعة في صريح السنة، مبثوثة في مواطنها من تفسيره الزاخر بمثل هذا وأكثر منه جدًّا: (جامع البيان).





 

شاركنا بتعليق


واحد + 4 =




بدون تعليقات حتى الآن.