مقام اليقظة :

السبت _30 _ديسمبر _2017AH admin
 مقام اليقظة :

    مقام اليقظة :

قال ابن القيم رحمه الله:” فَأَوَّلُ مَنَازِلِ الْعُبُودِيَّةِ الْيَقَظَةُ وَهِيَ انْزِعَاجُ الْقَلْبِ لِرَوْعَةِ الِانْتِبَاهِ مِنْ رَقْدَةِ الْغَافِلِينَ، وَلِلَّهِ مَا أَنْفَعَ هَذِهِ الرَّوْعَةَ، وَمَا أَعْظَمَ قَدْرَهَا وَخَطَرَهَا، وَمَا أَشَدَّ إِعَانَتَهَا عَلَى السُّلُوكِ! فَمَنْ أَحَسَّ بِهَا فَقَدْ أَحَسَّ وَاللَّهِ بِالْفَلَاحِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي سَكَرَاتِ الْغَفْلَةِ فَإِذَا انْتَبَهَ شَمَّرَ لِلَّهِ بِهِمَّتِهِ إِلَى السَّفَرِ إِلَى مَنَازِلِهِ الْأُولَى، وَأَوْطَانِهِ الَّتِي سُبِيَ مِنْهَا.

فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا … مَنَازِلُكَ الْأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ

وَلَكِنَّنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تَرَى … نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلِّمُ

فَأَخَذَ فِي أُهْبَةِ السَّفَرِ، فَانْتَقَلَ إِلَى مَنْزِلَةِ الْعَزْمِ وَهُوَ الْعِقْدُ الْجَازِمُ عَلَى الْمَسِيرِ، وَمُفَارَقَةُ كُلِّ قَاطِعٍ وَمُعَوِّقٍ، وَمُرَافَقَةُ كُلِّ مُعِينٍ وَمُوَصِّلٍ، وَبِحَسَبِ كَمَالِ انْتِبَاهِهِ وَيَقَظَتِهِ يَكُونُ عَزْمُهُ، وَبِحَسَبِ قُوَّةِ عَزْمِهِ يَكُونُ اسْتِعْدَادُهُ.

فَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَوْجَبَتْ لَهُ الْيَقَظَةُ الْفِكْرَةَ وَهِيَ تَحْدِيقُ الْقَلْبِ نَحْوَ الْمَطْلُوبِ الَّذِي قَدِ اسْتَعَدَّ لَهُ مُجْمَلًا، وَلَمَّا يَهْتَدِ إِلَى تَفْصِيلِهِ وَطَرِيقِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.

فَإِذَا صَحَّتْ فِكْرَتُهُ أَوْجَبَتْ لَهُ الْبَصِيرَةَ فَهِيَ نُورٌ فِي الْقَلْبِ يُبْصِرُ بِهِ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي هَذِهِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَفِي هَذِهِ لِأَعْدَائِهِ، فَأَبْصَرَ النَّاسَ وَقَدْ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ مُهْطِعِينَ لِدَعْوَةِ الْحَقِّ، وَقَدْ نَزَلَتْ مَلَائِكَةُ السَّمَاوَاتِ فَأَحَاطَتْ بِهِمْ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ نُصِبَ كُرْسِيُّهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ نُصِبَ الْمِيزَانُ، وَتَطَايَرَتِ الصُّحُفُ، وَاجْتَمَعَتِ الْخُصُومُ، وَتَعَلَّقَ كُلُّ غَرِيمٍ بِغَرِيمِهِ، وَلَاحَ الْحَوْضُ وَأَكْوَابُهُ عَنْ كَثَبٍ، وَكَثُرَ الْعِطَاشُ وَقَلَّ الْوَارِدِ، وَنُصِبَ الْجِسْرُ لِلْعُبُورِ، وَلُزَّ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقُسِّمَتِ الْأَنْوَارُ دُونَ ظُلْمَتِهِ لِلْعُبُورِ عَلَيْهِ، وَالنَّارُ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا تَحْتَهُ، وَالْمُتَسَاقِطُونَ فِيهَا أَضْعَافُ أَضْعَافِ النَّاجِينَ.

فَيَنْفَتِحُ فِي قَلْبِهِ عَيْنٌ يَرَى بِهَا ذَلِكَ، وَيَقُومُ بِقَلْبِهِ شَاهِدٌ مِنْ شَوَاهِدِ الْآخِرَةِ يُرِيهِ الْآخِرَةَ وَدَوَامَهَا، وَالدُّنْيَا وَسُرْعَةَ انْقِضَائِهَا”. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 143)

شاركنا بتعليق


سبعة عشر − ثلاثة عشر =




بدون تعليقات حتى الآن.