سوء الظن بالله
الخميس _21 _يونيو _2018AH admin1.سوء الظن بالله:
في ظل الهجمة الشرسة على الإسلام وأهله من قبل أعدا الدين بشتى طوائفهم تنبت نابتة خبيثة بين جوانح كثير من المسلمين ، تظلل عليهم ظلال القنوط ، ألا وهي نابتة (اليأس من نصر الله ).
واليأس من نصر الله : شعور سلبي نحو تمكين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وغلبتها وكون العاقبة لها .
إن المسلم حين يصاب بهذا الداء لايكاد يرى النور إلا خيوطا بين أوراق تلك النبتة السوداء ، ويرى الحياة رسما بلا لون ، فينعكس ذلك على سلوكه بالسلبية والتخذيل.
ولهذا الخلل مظاهر منها :-
- 1. تحليل الأحداث المعاصرة تحليلا ماديا ، بعيدا عن إشراقة الآيات والأحاديث النبوية.
- 2. الاقتصار في الأخبار على آلام الأمة ومحنها مع عدم تعقيب ذلك بالمكتسبات.
- 3. التنازل المريع من بعض رجالات الأمة وقادتها ، لتصبح المصائب منح ربانية ، والسلام مع اليهود خطة استراتيجية ، والولاء والبراء مسألة فرعية مضخمة ، والفروقات المذهبية بين السنة ومخالفيهم اختلاف بسيط ….
كل ذلك نابع من شعور باليأس ولد رضا بالواقع ليسلم من لوم الضمير قبل أن يسلم من لوم الأمة ، حتى نشأ عندهم ما يمكن أن نسميه (بتأصيل الواقع) ! فحينما يسألون عن لون من ألوان المنكرات يهرعون إلى ما يهونه ويجعلونه قضية محتمة لابد من التعايش معها .
وقد جاءت نصوص الوحيين متظافرة لهدم هذا الخلل العقدي وهذا طرف منها :-
- 1. قال تعالى : { إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } يوسف: ωω
قال في فتح القدير:( لكونهم لايعلمون – أي الكفرة – بقدرة الله سبحانه وعظيم صنعه وخفي ألطافه).أهـ
وقال في التفسير الكبير ج18:ص159: (واعلم أن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجميع المعلومات أو ليس بكريم بل هو بخيل وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر فإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة وكل واحد منها كفر ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا والله أعلم)
وقال ابن سعدي : دل هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه . [ج1:ص404]
- 2. وقال تعالى على لسان إبراهيم – عليه السلام-: { قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } الحجر: ωω
قال البغوي في تفسيره ج3:ص53 : والقنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكره
- 3. وقال تعالى :{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون} الصافات: -173
- 4. وقال تعالى: {يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله}
قال ابن القيم : فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله بأنه سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل وأنه يسلمه للقتل وقد فسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره ولا حكمة له فيه ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسوله ويظهره على الدين كله وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون به سبحانه وتعالى في ( سورة الفتح حيث يقول { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا } [ الفتح 6 ] وإنما كان هذا ظن السوء وظن الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل وظن غير الحق لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاته المبرأة من كل عيب وسوء بخلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهيه وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم ولجنده بأنهم هم الغالبون. [ زاد المعاد 3/205]
أما من السنة فإن كل الأحاديث الواردة في البشارة بنصرة هذا الدين تصلح أن تكون دليلا ، ووجه ذلك أن من مقاصدها تبديد ظلام اليأس والتشاؤم.
وبهذا يتبين أن نصوص القرآن والسنة جاءت متضافرة لاجتثاث هذه النابتة الخبيثة ، وأن ذلك خلل عقدي في إيمان العبد عليه أن يسعى لتطهير قلبه من درنه.
يقول ابن القيم –رحمه الله تعالى- مبينا حكم ذلك: فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله ولا يتم أمره ولا يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائه ويظهرهم عليهم وأنه لا ينصر دينه وكتابه وأنه يديل الشرك على التوحيد والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالا لا يقوم بعده أبدا أوقنط من رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء . ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويسوي بينهم وبين أعدائه فقد ظن به ظن السوء ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك وتأبى أن يذل حزبه وجنده وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله و{ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } [ ص : 27 ]
ثم يوضح – رحمه الله – فشو ذلك وانتشاره حين يقول: وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده.
ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتبا على القدر وملامة له واقتراحا عليه خلاف ما جرى به وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا فمستقل ومستكثر وفتش نفسك هل أنت سالم؟
ثم يوجه –رحمه الله- نصيحة إلى كل عبد يخاف على نفسه فيقول :
(فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع وليتب إلى الله تعالى وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء ومنبع كل شر المركبة على الجهل والظلم فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وأرحم الراحمين الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام والحكمة التامة المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه وصفاته كذلك وأفعاله كذلك كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل وأسماؤه كلها حسنى
أهـ[ زاد المعاد 3/200].
اللهم طهر قلوبنا من اليأس ، وأنجنا من سخطك والبأس ، وصل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شاركنا بتعليق
بدون تعليقات حتى الآن.