الاعتماد على الأسباب وعدم التوكل على الله
الخميس _21 _يونيو _2018AH adminالاعتماد على الأسباب وعدم التوكل على الله:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين . أما بعد :
فشيع عند المسلمين الاعتماد على الأسباب وترك التوكل على الله وكذا العكس ولكن سوف أركز في هذه الدراسة على الجانب الأول.
إن الاعتماد على الأسباب وضعف التوكل على الله خلل في عقيدة العبد من جهة أن التوكل عبادة لا يجوز صرفها إلا لله تعالى.
والاعتماد على الغير في تحقيق المصالح ودفع المفاسد غريزة نفسية ناشئة من ضعف الإنسان ونقصه ، حيث إن الإنسان – من حيث هو إنسان- لا يمكن أن ينفك عن ذلك واقرأ إن شئت قول لوط عليه السلام {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ } [سورة هود 11:80] حينما استنفذ جميع الوسائل في دفع نوايا قومه السيئة ، إذا فلا انفكاك من هذه النزعة الغريزية.
ولكن متى يقع الخلل ؟
إن الخلل يقع حينما يضعف إيمان العبد ويقينه فيتعلق بالأسباب الأرضية ويصرف اعتماده أو بعضه عليها.
ولهذا الخلل مظاهر متعددة منها الخفي ومنها غير الخفي أذكر على سبيل المثال :
- التفات القلب للسبب عند حلول النازلة قبل الإلتفات إلى مسببها سبحانه ، فحينما يلدغ أحد أطفالنا الصغار لاترى أمامك وقتها إلا الطبيب ومبضعه ليخلصك من هذه المصيبة.
- الاعتماد على السبب بالكلية ونسيان مسبب الأسباب ومقدِّر الأقدار سبحانه والنظر إلى السبب بعين الحصر ، فلا ترى حين يكاد رأسك يتصدع من الألم إلا الدواء الفلاني (بنادول إكسترا) رافع عنك ماتجد.
- الركون إلى الأسباب وإهمال التوكل على الله ودعائه ، فكم من ضائقة تمر بالمرء لايفزع فيها إلا إلى العباد العاجزين ، وكم من مشكلة في إدارة لاتقع عينك في دراستها على عبارة تشي بالتوكل وتدل على الإهتمام بشأنه.
وقد ساعد على شيوع هذه المظاهر وغيرها عوامل منها:-
- ضعف الإيمان في النفوس كما سبقت الإشارة إليه.
- بعض الممارسات التربوية التي قد نتعامل بها مع أبنائنا ، ومن وقت مبكر ، فلا نجد غضاضة حين يمرض ابن العشر من أبنائنا أن نطمئنه بقولنا : الآن نذهب إلى الطبيب ويزول عنك كل ما تجد ! ، لنذهب به بعدها إلى الطبيب ليقول له هو الآخر : خذ هذه الوصفة فهي ( وحدة بوحدة)!!
- الغزو الفكري ، والتفنن الإغوائي من قبل أعدائنا عبر منابرهم الإعلامية وغيرها ، والتي قد يقع في بعضها بعض المسلمين من غير قصد ، ومن ذلك ما نقرأه بين الفينة والأخرى في اللافتات الإعلانية من عبارات لاتخلو من خلل عقدي ليس أخطرها : ( لاصداع بعد اليوم ، أو لم تعاني من الأم؟! فالمستشفى الفلاني قريب)
ولاشك أن ذلك فيه مخالفة للمنهج الشرعي في التوكل ، وذلك أن الأسباب ماهي إلا وسائل جعلها الله دركا لحصول المطلوب ، ودفع المرهوب
( فالواجب إنزال الأسباب بالمحل الذي أنزلها الله به من كونها تحت مشيئته وتدبيره وهي طوع المشيئة والإرادة ومحل جريان حكمها عليها فيقوي سبحانه بعضها ببعض ويسلب بعضها قوته وسببيته ويعريها منها ويمنعه من موجبها مع بقائها عليه ليعلم خلقه أنه الفعال لما يريد وأنه لا مستقل بالفعل والتأثير غير مشيئته وأن التعلق بالسبب دونه كالتعلق ببيت العنكبوت مع كونه سببا) مدارج السالكين (1/243)
وهذا لا يعني بالضرورة إهمال الأسباب وتركها بل هي من التوكل وتركها ادعاءً للتوكل هو خلل عقدي آخر.
إن مقام التوكل مقام عظيم في الشريعة (فالتوكل مركب السائر الذي لايتأتى له السير إلا به ومتى نزل عنه انقطع لوقته وهو من لوازم الإيمان ومقتضياته قال الله تعالى {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة 23] فجعل التوكل شرطا في الإيمان فدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل وفي الآية الأخرى {وقال موسى يا قوم إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} [الأعراف : 84] فجعل دليل صحة الإسلام التوكل وقال تعالى : {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [ التوبة : 51] فذكر اسم الإيمان ههنا دون سائر أسمائهم دليل على استدعاء الإيمان للتوكل وأن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل وإذا كان التوكل ضعيفا فهو دليل على ضعف الإيمان ولا بد…) (طريق الهجرتين 1/386)
والخلاصة : أنه يجب على العبد أن يرعى هذا المقام حق الرعاية ويراقب قلبه فيه إذ هو عمل قلبي وسر بين العبد وربه وأن يتكل عليه في جميع أموره ويفوض أمره إلى الله فيها وقد قال أنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لفاطمة : “ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت و إذا أمسيت ياحي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين” رواه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه
اللهم يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لنا شأننا كله و لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
شاركنا بتعليق
بدون تعليقات حتى الآن.