قصة شاب مع امرأة ذات جمال وعقل

الأربعاء _20 _نوفمبر _2019AH admin
قصة شاب مع امرأة ذات جمال وعقل

 

وكان بالكوفة شاب متعبد لازم المسجد الجامع لا يكاد يفارقه وكان حسن الوجه حسن القامة حسن السمت، فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل فشغفت به وطال عليها ذلك، فلما كان ذات يوم وقفت له على الطريق وهو يريد المسجد فقالت يا فتى: اسمع مني كلمات أكلمك بها ثم اعمل ما شئت: فمضى ولم يكلمها، ثم وقفت له بعد ذلك على طريقه وهو يريد منزله فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها، فأطرق مليًّا وقال لها: هذا موقف تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعًا فقالت له: والله ما وقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك ولكن معاذ الله أن يتشوف العباد إلى مثل هذا مني، والذي حملني على أن لقيتك في مثل هذا الأمر بنفسي لمعرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير، وأنتم معاشر العباد على مثال القوارير أدنى شيء يعيبها.

وجملة ما أقول لك أن جوارحي كلها مشغولة بك، فالله الله في أمري وأمرك، فمضى الشاب إلى منزله وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي، فأخذ قرطاسا وكتب كتابا ثم خرج من منزله وإذا بالمرأة واقفة في موضعها فألقى الكتاب إليها ورجع إلى مكانه، وكان فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، اعلمي أيتها المرأة أن الله عز وجل إذا عصاه العبد حلم وإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستره، فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضيق لها السموات والأرض والجبال والشجر والدواب.

فمن ذا يطيق غضبه، فإن كان ما ذكرت باطلاً فإني أذكرك يوما تكون فيه السماء كالمهل، وتصير الجبال كالعهن، وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم، وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح غيري؟ وإن كان ما ذكرت حقًّا فإني أدلك على طبيب هدى يداوي الكلوم الممرضة والأوجاع المرفضة ذلك الله رب العالمين فاقصديه بصدق المسألة فإني مشغول عنك بقوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 18، 19].

فأين المهرب من هذه الآية، ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله كيلا يراها فقالت: يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى بعد هذا اليوم أبدا إلا غدًا بين يدي الله تعالى، ثم بكت بكاء شديدًا وقالت: أسأل لك الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك، ثم إنها تبعته وقالت: أمنن عليَّ بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها، فقال لها: أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60].   الإحياء (3/ 114).

شاركنا بتعليق


10 − 5 =




بدون تعليقات حتى الآن.