الغربة في طلب العلم
الجمعة _2 _سبتمبر _2022AH adminالبعد عن الأهل والأوطان يظهر مناصع الرجال وكريم الخلال، وفي الغربة دربة على مشقة الحياة وضيق الابتلاء، وهو مدرسة للشموخ في العلم، ودرس في أن الحياة قد لا يدوم فيها الرخاء والترف، وفي الغربة انطلاقة لطالب العلم في عدم الاعتماد على الأهل، وأن الحياة لا تدوم على حال، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي في ديوانه:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا … وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم واكتساب معيشة … وعلم وآداب وصحبة ماجد
وقال أيضاً:
ما في المقام لذي عقل وذي أدب … من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه … وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده … إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست … والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة … لملها الناس من عجم ومن عرب
والبدر لولا أفول منه ما نظرت … إليه في كل حين عين مرتقب
والتبر كالتبر ملقى في أماكنه … والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه … وإن تغرب ذاك عز كالذهب
وإذا صدق الغريب مع الله شرح الله صدره في غربته، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان مدخله إلى المدينة مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضاة الله فاتصل به التأييد والظفر، وأدرك خيري الدنيا والآخرة بخلاف مدخل الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب، فإنه لم يكن بالله ولا لله، بل كان محادَّةً لله ورسوله فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار، وما خرج أحد من بيته إلى بلد آخر إلا يكون بصدق أو كذب فمخرج كل واحد ومدخله لا يعدو الصدق أو الكذب.
والله عز وجل إذا أراد رفعة عبد كسره أولاً، فإذا لجأ إلى الله وطلب ما عنده وتقرب إليه بالطاعات، رفعه الله بعد ذلك بقدر انكساره لله تعالى. فلا تحزن في الغربة ولا تضجر من كرباتها، فقد لاقى العلماء منها المشقة والضنك، فلم يزدهم ذلك إلا صموداً في طلب العلم حتى حفظ هذا الدين على أعناق أولئك العظام. فسر على ما سار عليه العلماء فأنت في الغربة تخطو خطواتهم، وكن متعلقاً بالله عز وجل في غربتك، واحفظه بالطاعة ليحفظك ربك ويحفظ أهلك في ديارهم وتأنس في التغرب.
خطوات إلى السعادة (ص: 44)
شاركنا بتعليق
بدون تعليقات حتى الآن.